السبت، يوليو 16، 2011

يا سيدي الدوق أعتق القطار

 في 27/11/1985 أوكلت الحكومة الفرنسية إلى مسيو فرانسوا دو غلبان تنفيذ فكره قطار سريع يغني عن استخدام الطائرة للنقل الداخلي بشرط أن ينفذ المشروع الطموح بتكلفه اقتصاديه وفي حدود 850 مليون فرنكاً فرنسياً فقط .وبدأ مسيو دو غلبان تشكيل فريق عمل وعين البروفسور جاك لافوزيه لمنصب المدير المالي وهو من أبرع العقول الفرنسية في الحسابات وأستاذ مادة محاسبة التكاليف في السوربون ،
ثم تمت تجربة النموذج الأولى للقطار وبدأ مد السكة الحديدية  إلا أنه عند بناء أول كيلومتر فوجئ مسيو دوغلبان بالمركيز جان بيير فاصاد يستدعيه إلى مكتبه ويقدم له اعتراضاً شديد اللهجة وأخرج له صكاً  بملكيته لأرض غريبة الأبعاد ، فعرضها تسعة أمتار فقط وهو بالصدفة نفس العرض اللازم للسكة الحديد ، وطولها 237 كلم وهو بالصدفة نفس طول المسافة من باريس إلى ديجون ،  وحيث أن الصك كان مصدقاً من دائرة النقض والاستئناف في باريس لم يجد البروفيسور لافوازيه بداً من دفع تعويض مجز للمركيز وعند خروج السكة الحديدية من ديجون في اتجاه مدينة ليون ، فوجئ البروفيسور بالكونتيس يعترض بشده مؤكداً له أن النفق الذي سيسير في داخله القطار يقع في قلب جبل ايزولا وهذا الجبل ملك له ولأجداده منذ عهد لويس الحادي عشر ولديه شهود مازالوا أحياء منذ ذلك العهد . أضطر إلى دفع تعويض مجزي للكونتيس وكله في سبيل القطار يهون . أما بعد خروج القطار من النفق تمنى مسيو دوغلبان أن القطار لم يخرج أبداً فقد فوجئ بخروج النفق بالضبط على مزرعة البارون أقسم برأس جده البارون غاتيه الثالث ألا يمر القطار في المزرعة إلا بعد دفع مليون ومئة ألف قطعه ذهبيه حيث أنه كان على وشك تحويل المزرعة إلى مخطط ( الغاتيهيا ) أو مساهمة عقاريه ، فاضطر صاغراً للدفع وكله في سبيل القطار السريع يهون . وبعد تلك المزرعة وجب إنشاء محطة لمحولات كهرباء الضغط العالي للقطارففوجئ المسيو دوغلبان بأن المحطة تقع في مراعي الدوق شانتال شيخ دعابيل مقاطعة اللورين حيث كانت خيول جده دعبول الرابع ترعى فيها . وهذا الدوق كان في غاية اللطف وخيره بين أن يدفع له تعويضاً مجزياً أو أن يحول له القطار إلى خرده ويكسر رجل أي قطار يمر أمامه . فدفع صاغراً لسيدي الدوق وكله في سبيل القطار السريع يهون . بعد تلك المراعي يوجد وادي نهر الدورانس مما يستلزم إنشاء كوبري لمرور القطار وبعد أن بنى مسيو دوغلبان أساسات الكوبري أتته الكونتيسه ماري لوبان لامي بصك يشمل ضفاف النهروالأرض التي تحت مياه النهر . ورغم أن الكوبري معلق في الهواء إلا أن الهواء فوق مياه النهر تابع لها والكنتيسه ، والحق يقال ، كانت مرنه معه فخيرته بين أن يعوضها كما ترغب أو أن يحول خط القطار حول حوض نهر الدورانس وذلك يجعل مدة الرحلة ترتفع من أربع ساعات ونصف إلى 28 يوماً وثمان ساعات وربع . فبلا شك أضطر لدفع ذلك التعويض للكونتيسه  واشتعل السباق بين القطار والصكوك فالسكة الحديدية تتمدد والصكوك تتمدد أمامها فكلما قطع القطار وادياً سبقته الصكوك ، وكلما دخل القطار نفقاً لحقته الصكوك أخيراً ، نعم أخيراً ، وصل خط القطار إلى مدينة نيس . وفي يوم الافتتاح العظيم قدم البروفيسور جاك لافوازيه ميزانية المشروع وحساباته الختامية إلى مسيو دو غلبان الذي فوجئ بأن التعويضات رفعت التكلفة من 850 مليون فرنك فرنسي
إلى 17 زليون و 716 ترليون و 671 بليون و 176 مليون و 617 ألفاً و 761 فرنكاً فرنسياً ونصف . فأجهش في البكاء صائحاً بالفرنسية " عليه العوض ومنه العوض "
بئس الحياة في بلاد الفرنجة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق