الأربعاء، فبراير 03، 2010

الفارغون أكثر ضجيجا .

إذا مر القطار وسمعت جلبة لإحدى عرباته فأعلم أنها فارغة ,وإذا سمعت تاجرا يحرج على بضاعته وينادي عليها فأعلم إنها كاسدة , فكل فارغ من البشر له جلبة وصوت وصراخ , أما العاملون المثابرون فهم في سكون ووقار , لأنهم مشغولون ببناء صروح المجد وإقامة هياكل النجاح , إن سنبلة القمح الممتلئة خاشعة ساكنة ثقيلة , أما الفارغة في مهب الرياح لخفتها و طيشها , وفي أناس فارغون مفلسون أصفار رسبوا في مدرسة الحياة , وأخفقوا في حقول المعرفة والعلم والإبداع والإنتاج فاشتغلوا بتشويه أعمال الناجحين , فهم كالطفل الأرعن الذي أتى إلى لوحة رسام هائمة بالحسن , ناطقة بالجمال فشطب جمالها وأذهب روعتها , وهؤلاء الأغبياء الكسالى التافهون مشاريعهم كلام , وحججهم الصراخ , وأدلتهم هذيان لا تستطيع أن تطلق على احدهم لقبا مميزا ولا وصفا جميلا , فليس بأديب ولا خطيب ولا كاتبا ولا مهندس ولا تاجر ولا يذكر مع الموظفين الرواد , ولا مع العلماء الأفذاذ ولا مع الصالحين الأبرار , ولا مع الكرماء الأجواد , بل صفر على يسار الرقم , يعيش بلا هدف , ويمضي بلا تخطيط , ويسير بلا همة , ليس له أعمال تنقد , فهو جالس على الأرض والجالس على الأرض لا يسقط , ولا يمدح بشي لأنه خال الفضائل , ولا يسب بشي لأنه ليس له حساد , وفي كتب الأدب قال شاب خاملا لأبيه : يا أبي لا يمدحني احد ولا يسبني احد مثل فلان فما السبب .؟ فقال أبوه لأنك ثور في مسلاخ إنسان! إن الفارغ البليد يجد لذة في تحطيم أعمال الناس ويحس بمتعة في تمريغ كرامة الرواد , لأنه عجز على مجاراتهم ففرح في تهميش إبداعهم , ولهذا تجد العامل المثابر النشيط منغمسا في إتقان عمله وتجويد إنتاجه ليس عنده وقت في تشريح جثث الآخرين ولا بعثرة قبورهم , فهو منهمك في بناء مجده ونسج ثياب فضله , إن النخلة باسقة الطول دائمة الخضرة حلوة الطلع كثيرة المنافع , ولهذا إذا رماها بحجر عادت عليه تمرا , أما الحنظلة عقيمة الثمر , مشؤومة الطلع مرة الطعم , لا منظرا بهيجا ولا ثمرا نضيجا , إن السيف يقص العظام وهو صامت , والطبل يملأ الفضاء وهو أجوف , إن علينا أن نصلح أنفسنا ونتقن أعمالنا , وليس علينا حساب الناس والرقابة على أفكارهم والحكم على ضمائرهم , الله يحاسبهم والله وحده يعلم سرهم وعلانيتهم , ولو كنا راشدين بدرجة كافية لما أصبح لدينا فراغ في الوقت نذهبه في كسر عظام الناس ونشر غسيلهم وتمزيق أكفانهم , التافهون وحده هم المنشغلون بالناس كالذباب يبحث في الجرح , أما الخيرون فأعمالهم الجلية أشغلتهم عن توافه الأمور كالنحل المشغول برحيق الزهر يحوله عسلا في شفاء للناس , إن الخيول المضمرة عند السباق لا تنصت لأصوات الجماهير , لأنها لو فعلت لفشلت في سباقها وخسرت فوزها , اعمل واجتهد وأتقن ولا تصغ لمثبط حاسد أو فارغ . هبطت بعوضه على نخله , فلما أرادت أن تطير قالت للنخلة : تمسكي أيتها النخلة فانا سوف أطير , فقالت النخلة للبعوضة : والله ما شعرت بك يوم وقعت فكيف اشعر بك إذا طرت ؟ .. تدخل الشاحنات الكبرى عليها الحديد والجسور وقد كتبوا عليها عبارة : خطر ممنوع الاقتراب , فتبتعد السياكل و التكاسي ولسان حالها ينادي (( لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون )) , الأسد لا يأكل الميتة , والنمر لا يهجم على المرأة لعزه النفس وكمال الهمة ,أما الصراصير في القمامة وإبداعهم في الزبالة ..... د / عائض القرني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق